التهجير القسري- إسرائيل وإعادة إنتاج الفكر الاستعماري في فلسطين

المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ10.10.2025
التهجير القسري- إسرائيل وإعادة إنتاج الفكر الاستعماري في فلسطين

الفكر الاستعماري في صورته البغيضة: اختزال الإنسان إلى مجرد أرقام:

إن إسرائيل ليست مجرد قوة احتلال غاشمة، بل هي التجسيد الأخير والفظيع للفكر الاستعماري العنصري الذي يتعامل بازدراء مع الشعوب، ويصنفها كـ "قطعان" بشرية يتم نقلها وترحيلها وفقًا لحسابات ديموغرافية بحتة.

إن المشاريع الخبيثة، مثل "تبادل السكان" التي يروج لها بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف، ليست وليدة اللحظة؛ بل هي امتداد لسياسة تاريخية بغيضة تقوم على (طمس الهوية الفلسطينية) وتحويل شعب بأكمله إلى مجرد أرقام هامشية في جداول التهجير القسري.

هذا النهج الشائن لا يختلف قيد أنملة عن الممارسات الوحشية التي شهدها القرن التاسع عشر، حين كانت القوى الاستعمارية الغاشمة تهجّر الأفارقة والسكان الأصليين من أراضيهم قسرًا لتحقيق ما تسميه "توازنات عرقية" زائفة.

واليوم، تعيد إسرائيل، بكل وقاحة، إنتاج هذه الجريمة النكراء تحت ستار شعارات أمنية كاذبة ومضللة، وكأن الفلسطيني ليس إنسانًا له تاريخ عريق وحقوق مشروعة، بل مجرد عقبة ديموغرافية يجب إزالتها من الوجود!

التهجير القسري المقترح: فصل جديد من فصول التطهير العرقي الممنهج:

من (النكبة المشؤومة عام 1948) إلى مخططات التهجير الحالية، تعيد إسرائيل تكرار نفس السيناريو الإجرامي:

- عام 1948: قامت العصابات الصهيونية المدعومة بطرد ما يقارب 750 ألف فلسطيني من ديارهم وأراضيهم، ودمرت بوحشية أكثر من 530 قرية فلسطينية.

- اليوم: تَستغل إسرائيل حرب غزة الدامية لترويج فكرة "ترحيل الفلسطينيين" قسرًا إلى دول الجوار، كحل دائم ونهائي بدل إعادتهم إلى أراضيهم المسلوبة.

إن الاقتراح الإسرائيلي السافر بتهجير سكان قطاع غزة إلى دول عربية ليس إلا محاولة يائسة لتصفية القضية الفلسطينية العادلة، تمامًا كما فعلت مع ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زالوا يحملون مفاتيح منازلهم المهجرة منذ 75 عامًا.

إنه التطهير العرقي البشع بثوب جديد، يُبرره الاحتلال البغيض بحجة "الأمن"، بينما الهدف الحقيقي والنهائي هو تهويد فلسطين بالكامل ومحو هويتها العربية والإسلامية.

استغلال الدين والعروبة كأداة خبيثة لتبرير الفشل السياسي الذريع:

تحاول إسرائيل وحلفاؤها المنافقون تسويق فكرة مغلوطة مفادها أن الدول العربية "المسلمة" يجب أن تستوعب الفلسطينيين المشردين بدعوى "التضامن الإسلامي"، لكن هذه الحجة الواهية تخفي وراءها أمرين خطيرين:

- الوجه القبيح للصفقات السياسية المشبوهة: فتحالف بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل دفعها لتقديم تنازلات مذلة تحت مسمى "التطبيع"، حتى لو كان الثمن هو التنكر لحقوق الفلسطينيين المشروعة والتخلي عنهم.

- الازدواجية الغربية المقيتة: الدول الاستعمارية التي تدّعي كذبًا "حماية حقوق الإنسان" هي نفسها من مولت ودعمت المشروع الصهيوني الاستيطاني منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، واستخدمت الدين اليهودي كذريعة واهية لإنشاء دولة عنصرية بغيضة.

أما استغلال "العروبة" من قبل البعض لتبرير التخلي عن فلسطين، فهو انتحار مؤلم لهوية الأمة العربية وتراثها العريق.

فالعروبة الحقيقية ليست مجرد شعارات جوفاء فارغة، بل هي الدفاع المستميت عن الأرض والإنسان ضد مشاريع التفتيت والتقسيم الاستعمارية.

حق العودة المقدس: خط أحمر لا يمكن تجاوزه أبدًا:

إن أي "حل" سياسي زائف يتجاهل (حق العودة) للاجئين الفلسطينيين المهجرين -المعترف به دوليًا بموجب القرار الأممي رقم 194- هو حل فاشل ولا قيمة له من أساسه. إسرائيل تدرك تمامًا هذه الحقيقة، ولذلك تسعى جاهدة لخلق واقع جديد على الأرض في كل من غزة والضفة الغربية عبر التوسع الاستيطاني المحموم والتهجير القسري الممنهج، لكن التاريخ يثبت بجلاء أن الشعوب التي تمسكت بحقوقها المشروعة -كاليهود أنفسهم بعد المحرقة النازية- انتصرت في النهاية رغم كل الصعاب.

الفلسطينيون ليسوا لاجئين لأنهم "اختاروا" الهجرة، بل لأن الاحتلال الغاشم أجبرهم على ذلك تحت وطأة القتل والتدمير والتشريد.

ولن تكون غزة أو أي بقعة أخرى "فلسطين الجديدة"، لأن فلسطين الحقيقية هي التي ستولد حتمًا من رحم مقاومة شعبها الباسل، لا من خلال مخططات المحتلين الغزاة.

إسرائيل، ككيان غاصب نبت على الدماء والأشلاء، تحاول جاهدة تحويل الفلسطينيين إلى "مشكلة ديموغرافية" يجب التخلص منها بأي ثمن، لكن الأرض تتشكل وتتجسد من ذاكرة أهلها الأصليين المتجذرة فيها.

قد تؤخر القذائف والمدافع عودة اللاجئين إلى ديارهم، لكنها لن تمنعها أبدًا، فالشعب الفلسطيني الذي حفر اسمه بأحرف من نور على جدار التاريخ بـ (انتفاضات الدم) قادر على أن يعيد كتابة الجغرافيا أيضًا، وسيستعيد أرضه مهما طال الزمن.

* الاحتلال لا يموت إلا إذا شُيِّعَ بجنازة مهيبة من إرادة الشعوب الحرة، وفلسطين لن تُولد ولن تتحرر إلا إذا انتهت إسرائيل كفكرة استعمارية بغيضة وعنصرية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة